اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
شفاء العليل شرح منار السبيل
268127 مشاهدة print word pdf
line-top
الختان

قوله: [والختان واجب على الذكر والأنثى] لأنه من ملة إبراهيم -عليه السلام- وفي الحديث اختتن إبراهيم بعدما أتت عليه ثمانون سنة متفق عليه وقد قال تعالى ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وقال -صلى الله عليه وسلم- لرجل أسلم: ألق عنك شعر الكفر واختتن رواه أبو داود . وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- إذا التقى الختانان وجب الغسل دليل على أن النساء كن يختتن، وقال أحمد كان ابن عباس يشدد في أمره حتى قد روي عنه أنه لا حج له ولا صلاة.
[عند البلوغ وقبله أفضل] لأنه أقرب إلى البرء، ولأنه قبل ذلك ليس مكلفا. ونقل في الفروع عن الشيخ تقي الدين أنه قال: يجب إذا وجبت الطهارة والصلاة .


الشرح: الختان بالنسبة للذكر هو قطع الجلدة التي فوق الحشفة، تسمى القلفة، أو الغرلة، وبالنسبة للأنثى هو قطع لحمة زائدة فوق محال الإيلاج، قال الفقهاء- رحمهم الله- بأنها تشبه عرف الديك، وسبب الختان للرجال هو تكميل الطهارة حتى لا يبقى في القلفة شيء من بول نجس، وربما تقاطر على ثوبه، فشرع قطعها لتمام الطهارة، وأول من سن الختان إبراهيم -عليه السلام- كما، روى ذلك البخاري، المذهب أنه واجب على الرجال عند البلوغ؛ لأنه قبله لم يكن مكلفا، ولقول ابن عباس كانوا لا يختنون الرجل حتى يدرك رواه البخاري قال شيخ الإسلام: (يجب إذا وجبت الطهارة والصلاة).
وأما إذا خاف على نفسه من الختان فإن وجوبه يسقط عنه، وذلك كأن يسلم من هو كبير السن- مثلا- ويكون إسلامه في زمن الشتاء فيخشى إذا اختتن أن يتسمم الجرح، فله تأخير الختان إلى وقت مناسب.
ومثله من كان في بلاد شديدة البرد أو الحر أو الرطوبة فيخشى أن يتأخر برء الجرح إذا اختتن، فله تأخير الاختتان إلى الوقت المناسب.
وأدلة وجوب الختان قد ذكر الشارح شيئا منها، ومن ذلك حديث من أسلم فليختتن قال الزهري (كان الرجل إذا أسلم أمر بالاختتان) .
ومنها أن الاختتان تكشف له العورة، فلو لم يكن واجبا لم يجز كشفها له.
ومنها أنه ميزة بين المسلمين والنصارى حيث كان المسلم يعرف بالختان، بخلاف الكافر النصراني الذي لا يختتن.
ومنها أن الختان قطع شيء من بدن الإنسان وهذا لا يجوز ومحرم، والحرام لا يباح إلا بالواجب.
ومنها أنه يقوم به ولي اليتيم، وهو اعتداء عليه وعلى ماله؛ لأنه سيعطي الخاتن أجره من مال اليتيم، فلو لم يكن واجبا لما جاز هذا


الفعل والاعتداء منه على ماله وبدنه.
وقيل: الختان واجب على الرجال سنة للنساء - وهو رواية في المذهب- لقوله -صلى الله عليه وسلم- الختان سنة للرجال مكرمة للنساء ؛ ولأنه يتوصل به إلى كمال الطهارة، ولاتفاق المسلمين عليه في حق الرجل، وأما النساء فغاية فائدته أنه يقلل من غلمتها أي شهوتها، وهذا طلب كمال، وليس من باب إزالة الأذى.
وذهب مالك و أبو حنيفة إلى أنه سنة في حق الرجل والمرأة واحتجوا بحديث الفطرة عشرة: المضمضة والاستنشاق والسواك وقص الشارب وتقليم الأظافر وغسل البراجم ونتف الإبط والانتضاح بالماء والختان والاستحداد قالوا: فلو لم يكن سنة لما ذكر مع هذه السنن.
والجواب عن هذا أن نقول بأن هذا غير ممتنع، وهو أن يذكر الواجب بين السنن، فقد يقترن المختلفان، كما في قوله تعالى: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ والأكل مباح، والإيتاء واجب، ونظائر هذا كثير في الكتاب والسنة.
فالصواب في هذه المسألة أن الختان واجب على الرجال وسنة للنساء، وأنه يستحب فعله في الصغر لأنه أسرع برء، ولينشأ المولود على أكمل الأحوال، قال مكحول: (ختن إبراهيم - عليه السلام- ابنه إسحاق لسبعة أيام) ولا توقيت في ذلك، فمتى اختتن قبل البلوغ كان مصيبا.

line-bottom