إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا
شفاء العليل شرح منار السبيل
223324 مشاهدة
التيمم بتراب طهور مباح غير محترق

قوله: [8- أن يكون بتراب طهور مباح غير محترق، له غبار يعلق باليد] للآية. قال ابن عباس الصعيد تراب الحرث، والطيب الطاهر وقال تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ومالا غبار له لا يمسح بشيء منه. وقال الأوزاعي: الرمل من الصعيد. وإن ضرب يده على لبد، أو شعر، ونحوه. فعلق به غبار جاز، نص عليه؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- ضرب بيده الحائط ومسح وجهه ويديه .


الشرح: هذا هو الشرط الثامن من شروط التيمم وهو أن يتيمم بتراب طهور مباح غير محترق له غبار يعلق باليد ).
فقوله (بتراب) التراب معروف، وهو أغلب ما على وجه الأرض، فيخرج به الحجارة، والرمل، وما أشبهها، ودليل هذا قوله -صلى الله عليه وسلم- وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وفي رواية وجعلت تربتها لنا طهورا .
فهذه الرواية تخصص الرواية الأولى؛ لأن الأرض كلمة عامة والتراب خاص، فيقيد العام بالخاص.
وقال بعضهم: إن ذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق حكم العام لا يقتضي تخصيصه، فإذا قلت مثلا: أكرم الرجال، فهذا عام، فإذا قلت: أكرم زيدا وهو من الرجال، فهذا لا يخصص العام؛ لأنك ذكرت زيدا بحكم يوافق العام، لكن لو قلت: لا تكرم زيدا، فهذا خصيص؛ لأنك ذكرته بحكم لا يوافق حكم العام، وهو (الإكرام).
فالصواب في هذه المسألة أن التيمم لا يختص بالتراب، بل يجوز كل ما تصاعد على وجه الأرض، لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا والصعيد هو كل ما تصاعد على وجه الأرض، والله سبحانه وتعالى يعلم أن الناس في أسفارهم يطرقون الأراضي الرملية، والحجرية، والترابية فلم يخصص شيئا من ذلك دون شيء، ومما يشهد لهذا قوله -صلى الله عليه وسلم- جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وفي رواية فعنده مسجده وطهوره فهذا يبين أن المسلم في أي موضع كان فعنده مسجده وطهوره، وقال ابن القيم - رحمه الله- عن الحديث السابق (هذا نص صريح في أن من أدركته الصلاة في الرمل فالرمل له طهور، ولما سافر- أي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو وأصحابه في غزوة تبوك قطعوا تلك الرمال في طريقهم وماؤهم في غاية القلة، ولم يرو عنه أنه حمل معه التراب ولا أمر به، ولا فعله أحد من أصحابه مع القطع بأن في المفاوز الرمال أكثر من التراب، وكذلك أرض الحجاز وغيره، ومن تدبر هذا قطع بأنه كان يتيمم بالرمل- والله أعلم- وهذا قول الجمهور) .
وأما قول المؤلف (طهور) فيخرج التراب المتلوث بالنجاسة كالبول، أو العذرة، ونحوها، لقوله تعالى: فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا والطيب النجس.
وقوله (مباح) أي غير مسروق ولا مغصوب، فإنه لا يصح التيمم بهما، وهذه المسألة مبنية على مسألة الوضوء بالماء المسروق أو المغصوب، وقد علمنا أن الراجح فيها أن الوضوء بالمغصوب أو المسروق يرفع الحدث ولكن المستعمل للماء آثم لأجل سرقته أو غصبه، وهكذا يقال في مسألة التيمم بالتراب المسروق أو المغصوب.
وقوله (غير محترق) يخرج ما كان محترقا: كالرماد، والجص، والنورة، والخزف، والأسمنت، وما أشبهها، فلا يجوز التيمم بها؛ لأنه لا يصدق عليها أنها تراب طيب، والنورة نوع من الحجارة يحرق ثم يسحق، والجص نوع من الأتربة أبيض يحرق ويسحق، وتطلى به الجدران- كما هو معلوم-.
وقوله ( له غبار) يخرج ما ليس له غبار، فلا يجوز التيمم به، كالتراب الرطب مثلا، لقوله تعالى: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ و (من) في الآية للتبعيض، ولا تتحقق البعضية إلا بغبار يعلق باليد، ويمسح به الوجه واليدان، ولو بحبات قليلة منه ليصدق أنه مسح منه.
وقد ذهب بعض العلماء إلى أن هذا ليس بشرط، بل يصح أن يتيمم بما ليس له غبار، لعموم قوله: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ولأنه -صلى الله عليه وسلم- كان يسافر في الأرض الرملية التي أصابها المطر ولم ينقل عنه أنه ترك التيمم، و (من) في الآية ليست تبعيضية بل هي لابتداء الغاية، كقولك: سرت من مكة إلى المدينة
ومما يشهد لهذا أن آية التيمم في سورة النساء ليس فيها (من)، وهي قوله: فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ وآية النساء سابقة لآية المائدة بسنوات.
ومما يشهد لهذا أيضا أن في حديث عمار - رضي الله عنه- في التيمم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ضرب بيديه الأرض نفخ فيهما ومن المعلوم أن النفخ يزيل الغبار وأثر التراب، واعتذر من اشترط الغبار بأن النفخ لا يزيل الغبار جميعا سيما إذا كان كثيرا فقد يكون كثيرا، فيخففه خشية أن يدخل في خياشيمه.