لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
229195 مشاهدة
الانتفاع بالرهن

وليس للراهن الانتفاع به إلا بإذن الآخر، أو بإذن الشارع، في قوله صلى الله عليه وسلم: الظهر يركب بنفقته، إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته، إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة رواه البخاري .


قوله (وليس للراهن الانتفاع به إلا بإذن الآخر، أو بإذن الشارع، في قوله -صلى الله عليه وسلم- ... الخ):
أي: ليس للراهن الانتفاع بالرهن إلا بإذن المرتهن، فلو قال الراهن: أعطني السيارة أحمل عليها، وهي مرهونة، فقال المرتهن: خذها، ففي هذه الحال ينفك الرهن، فإذا ردها عادت إلى كونها رهنا، فإذا لم يعطك فلا تستعملها ولا تركبها ولا تحمل عليها.
وهذا الحديث المذكور في المتن قد صححه الجماعة؛ لأنه في صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة .
وقد اختلف في العمل بهذا الحديث، فعمل به الإمام أحمد وقال: إن الراهن قد ترك هذه الشاة عند المرتهن، فهذه الشاة فيها لبن، وهي بحاجة إلى علف، فالمرتهن يعلفها، فيأخذ لبنها مقابل علفها، فعليه العلف والنفقة وله اللبن، وكذلك إذا كان الرهن بعيرا يحتاج إلى علف، وقال المرتهن: أنا سوف أعلفه وأحمل عليه وأركبه عند الحاجة، فيجوز ذلك على مقتضى هذا الحديث.
أما الأئمة الثلاثة فقالوا: لا يجوز، بل إذا أنفقت عليه فاحسب نفقتك واجعلها دينا، وإذا ركبته فادفع أجرة على ركوبك، وإذا أنفقت على الشاة فاحسب نفقتك عليها واجعلها دينا في ذمة الراهن، وإذا حلبتها فهذا الحلاب تسقطه من دينك ولا يكون لك، واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه، له غنمه وعليه غرمه ومعنى: لا يغلق، أي: لا يذهب عن الراهن، لأنه ملك الراهن فله غنمه فائدته وثمرته ونتيجته، وعليه غرمه إذا فات، فكما أن الرهن إذا كان نخلا فثمرتها رهن معها للراهن، وسقيها على الراهن، والمرتهن يجعلها وثيقة، فإن حصل له دينه وإلا باع النخل، فسقيه على مالكه وهو الراهن، وثمرته كذلك للراهن، والمرتهن جعله وثيقة، فقالوا: كذلك الشاة وكذلك البعير، لا ينتفع منها المرتهن، وإن انتفع به فإنه يحسب أجرته.
والحاصل أن المسألة خلافية، لكن تفرض فيما إذا قدر أن هذه الشاة يضيع لبنها، وهي بحاجة إلى نفقة، ونفقتها مقاربة لقيمة اللبن، وراهنها بعيد لا يمكن أن يأتي كل يوم ويقول: أعطني علفا للشاة، فيقول المرتهن: أعلفها على نفقتي وأحلبها.