الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
206667 مشاهدة
حد البغي

ومن خرج على الإمام يريد إزالته عن منصبه فهو باغ.
وعلى الإمام: مراسلة البغاة وإزالة ما ينقمون عليه مما لا يجوز، وكشف شبههم.
فإن انتهوا كف، عنهم، وإلا قاتلهم إذا قاتلوا.
وعلى رعيته معونته على قتالهم.
فإن اضطر إلى قتلهم أو تلف مالهم: فلا شيء على الدافع.
وإن قتل الدافع كان شهيدًا.
ولا يتبع لهم مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يغنم لهم مال، ولا يسبى لهم ذرية.
ولا ضمان على أحد الفريقين فيما أتلف حال الحرب من نفوس وأموال.


البغاة:
قوله: (ومن خرج على الإمام يريد إزالته عن منصبه فهو باغ):
بدأ الكلام على البغاة، والبغاة: هم الذين يخرجون عن طاعة الإمام، مثل الخوارج الذين خرجوا عن طاعة علي.
قوله: (وعلى الإمام: مراسلة البغاة، وإزالة ما ينقمون عليه مما لا يجوز، وكشف شبههم):
إذا اتحدوا عليه وقالوا: نخرج عليه؛ لأنه فاجر ولأنه عاص ولأنه فعل كذا وكذا، كما فعل الخوارج مع علي، لما أنهم قالوا: حكمت الرجال، وقالوا: إنك أبحت القتال ولم تبح السبي ولم تبح الغنيمة، وقالوا: إنك فعلت وفعلت، فأرسل إليهم ابن عباس يناظرهم فرجع أكثرهم.
فعلى الإمام مراسلة البغاة حتى يعرف ما ينقمون عليه به، فإذا ذكروا له أننا ننكر عليك الخصلة الفلانية، وننقم عليك أنك فعلت كذا وفعلت كذا، فإنه يزيل ما ينقمون عليه مما لا يجوز إذا كانوا صادقين، فإذا كان لهم شبهة فإنه يدحضها ويزيل ما ينكرون، ويبين عذر؛ في ذلك
قوله: (فإن انتهوا كف عنهم، وإلا قاتلهم إذا قاتلوا):
أي: إذا رجعوا فإنه يكف عنهم، أما إذا لم ينتهوا ولم يرجعوا فإنه يقاتلهم لكف شرهم، وهم ليسوا كفارًا، ولكنهم منكرون لشيء قد لا يكون منكرًا.

قوله: (وعلى رعيته معونته على قتالهم):
كما فعل المسلمون مع علي حينما قاتل الخوارج.
قوله: (فإن اضطر إلى كملهم أو تلف مالهم فلا شيء على الدافع):
إذا قاتلهم ثم اضطر إلى قتلهم في الحرب فإنه لا شيء على الدافع، وكذا إذا أتلف شيئا من مالهم فلا شيء على الدافع.
والدافع هو: الذي يقاتل مع الإمام، والإمام يلزمه قتالهم حتى يكف
شرهم؛ لأنهم يحاولون خلعه.
قوله: (وإن قتل الدافع كان شهيدًا):
كالذين قتلوا مع علي.
قوله: (ولا يتبع لهم مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يغنم لهم مال، ولا يسبى لهم ذرية):
يعني: إذا انهزموا، وذلك لأنهم مسلمون، وإنما قوتلوا لكف شرهم، فإذا أدبروا انكسرت شوكتهم، فلا يجوز أن تتبعهم وقد انهزموا وهربوا فلا نتبع المدبرين وإذا مررنا بالجريح فلا نقتله؛ بل نعالجه لأنه مسلم، وأموالهم لا تحل لنا

لأنهم مسلمون وأموالهم ليست غنيمة لأننا ما قاتلناهم إلا لنكف شرهم، وكذلك لا تسبى لهم ذرية لأنهم أحرار لا يسبون.
قوله: (ولا ضمان على أحد الفريقين فيما أتلف حال الحرب من نفوس وأموال):
إذا انفصلت الحرب بين الخوارج وبين الإمام وقد أتلف منهم أموالا وأتلفوا منه أموالا، فإنه يعفى عن هؤلاء وهؤلاء فلا يقولون: إنك قتلت منا مائة فاضمنهم. فإنه يقول لهم: قتلتهم لكف شرهم، ولا يقول أيضا: اضمنوا لنا أنكم قتلتم كذا منا وأتلفتم مالاً، فهم يقولون: قاتلناك؛ لأننا نعتقد خدك وخروجك وضلالك، فقاتلناك من أجل ذلك.
فالحاصل: أن البغاة هم الذين يخرجون على الإمام ويحاولون رده أو خلعه، ولهم شبهات ولهم شوكة ولهم قوة ولهم منعة، مثلما حصل من الخوارج الذين خرجوا على علي.