شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة logo إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
290505 مشاهدة print word pdf
line-top
حد البغي

ومن خرج على الإمام يريد إزالته عن منصبه فهو باغ.
وعلى الإمام: مراسلة البغاة وإزالة ما ينقمون عليه مما لا يجوز، وكشف شبههم.
فإن انتهوا كف، عنهم، وإلا قاتلهم إذا قاتلوا.
وعلى رعيته معونته على قتالهم.
فإن اضطر إلى قتلهم أو تلف مالهم: فلا شيء على الدافع.
وإن قتل الدافع كان شهيدًا.
ولا يتبع لهم مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يغنم لهم مال، ولا يسبى لهم ذرية.
ولا ضمان على أحد الفريقين فيما أتلف حال الحرب من نفوس وأموال.


البغاة:
قوله: (ومن خرج على الإمام يريد إزالته عن منصبه فهو باغ):
بدأ الكلام على البغاة، والبغاة: هم الذين يخرجون عن طاعة الإمام، مثل الخوارج الذين خرجوا عن طاعة علي.
قوله: (وعلى الإمام: مراسلة البغاة، وإزالة ما ينقمون عليه مما لا يجوز، وكشف شبههم):
إذا اتحدوا عليه وقالوا: نخرج عليه؛ لأنه فاجر ولأنه عاص ولأنه فعل كذا وكذا، كما فعل الخوارج مع علي، لما أنهم قالوا: حكمت الرجال، وقالوا: إنك أبحت القتال ولم تبح السبي ولم تبح الغنيمة، وقالوا: إنك فعلت وفعلت، فأرسل إليهم ابن عباس يناظرهم فرجع أكثرهم.
فعلى الإمام مراسلة البغاة حتى يعرف ما ينقمون عليه به، فإذا ذكروا له أننا ننكر عليك الخصلة الفلانية، وننقم عليك أنك فعلت كذا وفعلت كذا، فإنه يزيل ما ينقمون عليه مما لا يجوز إذا كانوا صادقين، فإذا كان لهم شبهة فإنه يدحضها ويزيل ما ينكرون، ويبين عذر؛ في ذلك
قوله: (فإن انتهوا كف عنهم، وإلا قاتلهم إذا قاتلوا):
أي: إذا رجعوا فإنه يكف عنهم، أما إذا لم ينتهوا ولم يرجعوا فإنه يقاتلهم لكف شرهم، وهم ليسوا كفارًا، ولكنهم منكرون لشيء قد لا يكون منكرًا.

قوله: (وعلى رعيته معونته على قتالهم):
كما فعل المسلمون مع علي حينما قاتل الخوارج.
قوله: (فإن اضطر إلى كملهم أو تلف مالهم فلا شيء على الدافع):
إذا قاتلهم ثم اضطر إلى قتلهم في الحرب فإنه لا شيء على الدافع، وكذا إذا أتلف شيئا من مالهم فلا شيء على الدافع.
والدافع هو: الذي يقاتل مع الإمام، والإمام يلزمه قتالهم حتى يكف
شرهم؛ لأنهم يحاولون خلعه.
قوله: (وإن قتل الدافع كان شهيدًا):
كالذين قتلوا مع علي.
قوله: (ولا يتبع لهم مدبر، ولا يجهز على جريح، ولا يغنم لهم مال، ولا يسبى لهم ذرية):
يعني: إذا انهزموا، وذلك لأنهم مسلمون، وإنما قوتلوا لكف شرهم، فإذا أدبروا انكسرت شوكتهم، فلا يجوز أن تتبعهم وقد انهزموا وهربوا فلا نتبع المدبرين وإذا مررنا بالجريح فلا نقتله؛ بل نعالجه لأنه مسلم، وأموالهم لا تحل لنا

لأنهم مسلمون وأموالهم ليست غنيمة لأننا ما قاتلناهم إلا لنكف شرهم، وكذلك لا تسبى لهم ذرية لأنهم أحرار لا يسبون.
قوله: (ولا ضمان على أحد الفريقين فيما أتلف حال الحرب من نفوس وأموال):
إذا انفصلت الحرب بين الخوارج وبين الإمام وقد أتلف منهم أموالا وأتلفوا منه أموالا، فإنه يعفى عن هؤلاء وهؤلاء فلا يقولون: إنك قتلت منا مائة فاضمنهم. فإنه يقول لهم: قتلتهم لكف شرهم، ولا يقول أيضا: اضمنوا لنا أنكم قتلتم كذا منا وأتلفتم مالاً، فهم يقولون: قاتلناك؛ لأننا نعتقد خدك وخروجك وضلالك، فقاتلناك من أجل ذلك.
فالحاصل: أن البغاة هم الذين يخرجون على الإمام ويحاولون رده أو خلعه، ولهم شبهات ولهم شوكة ولهم قوة ولهم منعة، مثلما حصل من الخوارج الذين خرجوا على علي.

line-bottom