من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
197468 مشاهدة
تعريف الحجر والفلس

[ باب: الحجر لفلس أو غيره ]
ومن له الحق فعليه أن ينظر المعسر. وينبغي له أن ييسر على الموسر.
ومن عليه الحق فعليه الوفاء كاملا بالقدر والصفات. قال صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم، وإذا أحيل بدينه على مليء فليحتل متفق عليه . وهذا من المياسرة. فالمليء: هو القادر على الوفاء، الذي ليس مماطلا، ويمكن تحضيره لمجلس الحكم.


[ باب: الحجر لفلس أو غيره ]
الحجر هو منع الإنسان من التصرف في ماله، فإن كان لمصلحته فهو حجر السفه، وإن كان لمصلحة غيره فهو حجر الفلس.
والفلس هو الفقر، والمفلس هو: الفقير الذي ليس عنده مال، كأنه لا يملك إلا الفلوس، التي هي الهلل وما أشبهها؛ لقلة قيمتها.
قوله (ومن له الحق فعليه أن ينظر المعسر):
أي: إذا كان لك دين وصاحبه معسر فإن عليك الإنظار، قال تعالى: وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ البقرة: 280 أي: أخره وأمهله إلى أن يرزقه الله، فيجعل الله من بعد عسر يسرا، ولا تشدد عليه إذا كنت تعرف أنه معسر، أما إذا كنت شاكا فيه وتظن أن عنده مالا، فإن لك المطالبة بحبسه أو الحجر عليه أو نحو ذلك.
قوله (وينبغي له أن ييسر على الموسر):
أي: لا يشدد عليه ولو كان موسرا.
قوله (ومن عليه الحق فعليه الوفاء كاملا بالقدر والصفات، قال صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم الخ):
أي: ينبغي للموسر ألا يماطل، وأن يعطي الحق كاملا. فإذا كان عليك دين وأنت قادر فعليك أن توفيه في حينه بصفته ولا تماطل ولا تؤخر، فإن ذلك ظلم، قال صلى الله عليه وسلم: مطل الغني ظلم والمطل هو: تطويل الشيء، فكأن الغريم الذي يماطل يمدد الأجل، فبدلا من أن يدفع بعد شهر يدفع بعد شهر ثان وثالث ورابع وخامس، فهذا مطل ومطل الغني ظلم وقد خص الغني لأن الفقير معذور، ليس عنده شيء.
لم يذكر المؤلف باب الحوالة، وهي: نقل دين من ذمة إلى ذمة فإذا كان لك دين عند زيد، وزيد له دين عند عمرو، وجئت وقلت: يا زيد أعطني ديني، فقال: أحلتك على عمرو فأنت تقبل الإحالة إذا كان عمرو مليئا، أي: إذا كان عمرو غنيا قادرا على الوفاء، تذهب إليه وتقول: أحالني عليك زيد فأعطني دينه الذي في ذمتك له، وهذا من المياسرة، أي: من التيسير عليه.
قوله (فالمليء: هو القادر على الوفاء، الذي ليس مماطلا، ويمكن تحضيره لمجلس الحكم):
فالمليء إذن له ثلاث صفات:
أولها القدرة المالية على وفاء الدين.
وثانيها عدم المماطلة، فقد يوجد إنسان غني، ولكن لا يهمه الوفاء، فيماطل ويؤخر ولو كان غنيا ومطل الغني ظلم.
وثالثها القدرة على إحضاره للقاضي، أما إذا كان مثلا وزيرا أو أميرا أو شريفا أو كبيرا، فلا تستطيع إحضاره للقاضي، أو لا يحضر معك لعلو منزلته، فلك أن تقول: لا أقبل الحوالة عليه لأنه مماطل؛ وإذا كان مماطلا فكيف تحيلني على من لا يعطيني حقي، أو إذا اشتكيت لا يحضر معي عند القاضي؟!.