إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
206658 مشاهدة
حد التعزير

والتعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة.
ثالثا: التعزير:
قوله: ( والتعزير واجب في كل معصية لا حد فيها ولا كفارة):
تكلم العلماء في التعزير حتى أفرده بعضهم بالتأليف، فقالوا: كل معصية ليس فيها عقوبة مقدرة فإن فيها التعزير حتى ترك الصلوات ومنع الزكوات وترك الجماعة مثلاً، والسرقة التي لا تبلغ حد النصاب، والخلوة بالأجنبية إذا لم يثبت عليه فعل الفاحشة، كل ذلك فيه التعزر.
كذلك أيضا الاختطاف والاختلاس وضرب المسلم بغير حق دون أن يشجه أو يقطع منه طرفًا، وكذلك المعاصي كلها؛ كتعاطي الربا وسماع الأغاني وما

أشبهها من المعاصي فيها التعزير.
والتعزير يختلف باختلاف الذنب، فقد يبلغ القتل أحيانًا، فيكون هذا للإمام إذا رأى أن المصلحة العامة في قتله فله ذلك، وقد يكون التعزير بطرده من وظيفته مثلاً أو بحبسه، أو بجلدات يجلده بها، أو بتنكيله مالاً، أو بعقوبات تشهره أو يشتهر بها، كأن يقاد في الأسواق، ويقال: هذا شاهد زور هذا قد شهد زورًا أو نحو ذلك.
وقد منع العلماء من التعزير بالأشياء التي لا تصح شرعًا وإن كان بعضهم قد يعزر بها، فلا يعزر بحلق اللحى؛ لأن ذلك يحرم شرعا، ولأن القصد من التعزير الزجر عن الذنب.