إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
279169 مشاهدة print word pdf
line-top
شروط صحة السلم

يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة إذا ضبطه بجميع صفاته التي يختلف بها الثمن، وذكر أجله، وأعطاه الثمن قبل التفرق. عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين، فقال: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى أجل معلوم .


قوله: (يصح السلم في كل ما ينضبط بالصفة: إذا ضبطه بجميع صفاته... إلخ):
يعني: أن الأشياء التي لا تنضبط بالصفة لا يصح فيها السلم، ولذلك قال بعضهم: إن الشيء الذي تدخله الصناعة لا ينضبط بالصفة؛ لهذا قالوا: لا يصح السلم في الأواني؛ لأنها تدخلها الصناعة.
ولكن في نظري أنه يصح السلم فيها؛ لأنها الآن تنضبط بالصفة؛ حيث تصنع بالماكينة، ولا تصنع بالأيدي، فقديما كانوا يصنعون القدر والصحن والقدح بأيديهم، وتختلف لذلك؛ فهذه ثقيلة، وهذه خفيفة، وهذه حديدها صاف، وهذه حديدها غير صاف، فيقع اختلاف، أما الآن فحيث إنها تصنع بالماكينة، فيصح السلم فيها.
ويصح السلم كذلك في كل المصنوعات من أصغرها كالإبر والملاعق والسكاكين، إلى أكبرها كالسيارات والطائرات والماكينات.
فمثلا لو اتفق تاجر مع إحدى الشركات المصنعة على تصنيع نوع معين من السكاكين، وقال: أنا أريد أن تصنعوا لي مائة ألف حبة من هذا السكين، وأدفع لكم ثمنها مقدما، على أن تكون قيمتها كذا، وترسل لي بعد خمسة أشهر مثلا، فيشتريها منهم بثمن رخيص مقابل دفع المبلغ لهم مقدما، وهذا هو السلم.
وهكذا يصح السلم في السيارات فلو أراد تاجر شراء عدد من السيارات فإنه يتفق معهم على قيمة رخيصة للسيارة مقابل أن يدفع لهم قيمتها مقدما، وأن ترسل له بعد مدة محددة، ولكن يلزم أن يحدد نوع السيارة ولونها وحديدها وأدواتها وزمان صنعها؛ لأن الثمن يختلف باختلاف الصفات.
والحاصل أن السلم يصح في كل شيء إذا ضبط بجميع صفاته.
ولا بد من ذكر الأجل؛ كأن يكون بعد خمسة أشهر أو بعد ثلاثة أشهر.
ولا بد من دفع الثمن مقدما قبل التفرق، فتسليم الثمن يكون بمجلس العقد.
قوله: (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وهم يسلفون الخ):
وذلك لأن أغلب ما كانوا يسلفون فيه المكيل والموزون، فيسلفون في القطن مثلا وهو موزون، فيسلفون في الصوف وهو موزون، فيشتري- مثلا- من صاحب غنم مائتي رطل من الصوف، ولكن صاحب الغنم ما عنده صوف الآن، والصوف ينبت بعد خمسة أشهر أو بعد ستة أشهر، فإذا نبت الصوف بعد خمسة أشتهر أخذه من الغنم وسلمه للمشتري، فلا بد أن يقول: صوف أغنام أو صوف ضأن، لونه كذا، ونوعه كذا.
وكذلك أيضا الكيل، فيكون الكيل معلوما، فالتمركان يكال، والمكيل بصفة عامة هو الذي كانوا يكيلونه في المدينة، وكذا الزبيب يباع بالكيل، وما أشبهها، فإذا قال: اشتريت منك- مثلا- مائة صاع من زبيب تؤديها لي بعد خمسة أشهر، بشرط أن تبيعني الصاع بريال واحد فقط مع أن سعره الآن ثلاثة ريالات أو كثر، ولكن هو بحاجة إلى الدراهم، وأنت بحاجة إلى الربح، ولست بحاجة إلى هذه الدراهم، فتشتري منه هذا الزبيب- مثلا- في ذمته، فإذا حل فإنه يوفيك سواء كان عنده شجر عنب أو ليس عنده، وهكذا التمور ونحوها.
وقوله: ( يسلفون في الثمار )، سواء كانت هذه الثمار تدخر كالزبيب أو لا تدخر كالخوخ، فبعضهم يقدم سنة، وبعضهم يقدم سنتين، فيقول: اشتريت منك وتؤديني بعد سنتين، وتشتري بربع الثمن، وبعضهم سنة.
والحاصل أنه -عليه السلام- قد حدد لهم: من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم كمائة صاع أو مائتين، أو وزن معلوم فكانوا يبيعون ذاك الوقت بالرطل، فيقول: مائة رطل أو مائتي رطل، إلى أجل معلوم كخمسة أشهر أو ستة أشهر أو سنة أو سنتين، فلا بد من تحديد ذلك.

line-bottom