الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
229048 مشاهدة
متى وكيف تباع الأصول والثمار

[ باب: بيع الأصول والثمار ]
قال صلى الله عليه وسلم: من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع، إلا أن يشترطها المبتاع متفق عليه .
وكذلك سائر الأشجار إذا كان ثمره باديا.
ومثله: إذا ظهر الزرع الذي لا يحصد إلا مرة واحدة، فإن كان يحصد مرارا فالأصول للمشتري، والجزة الظاهرة عند البيع للبائع.


[باب: بيع الأصول والثمار]
الأصول لغة هي: الثوابت .
ويعبر عنها اصطلاحا أو حاليا: بالعقار.
فالبستان من الأصول، والأراضي من الأصول، والدور من الأصول، وما يتبعها، فمثلا البيوت التي بنيت فيها أسسها وقواعدها وحيطانها، من الأصول، والبساتين التي فيها النخيل وفيها الأعناب وفيها التين وفيها الزيتون وفيها الخوخ وفيها الأشجار الأخرى، فهذه أيضا من الأصول.
أما الثمار فالمراد بها: الثمرة التي تؤخذ من الأشجار، كرطب النخل وزبيب العنب، وثمر التين، وثمر الزيتون، وثمر التوت، وثمر الرمان، والطماطم، وما أشبه ذلك، فهذه من الثمار.
اختصر المؤلف هذا الباب واقتصر على هذه الأدلة وفيها الكفاية.
متى وكيف تباع الأصول والثمار
قوله: (قال صلى الله عليه وسلم: من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلخ):
التأبير هو: التلقيح، وعادة أهل النخل، أنهم يلقحون النخل إذا خرج
الطلع، فيأخذون من الفحال شماريخ ويجعلونها في وسط شماريخ النخل، حتى تتماسك ولا تتساقط وتصلح، فإذا أبر النخل أو ظهر ثمره، ثم باع البستان بنخله، فهذه الثمرة تبقى للبائع حتى يصرمها، لكن إن اشترط المشتري، وقال: أنا لا أشتريه إلا إذا بعتني الثمر مع النخل، فله شرطه، فالمسلمون على شروطهم.
قوله: (وكذلك سائر الأشجار إذا كان ثمره باديا):
فإذا باع هذا البستان وفيه الأترج قد نضج، والرمان قد نضج، والتين قد نضج، أي: قد ظهر ثمره، فإن هذه الثمرة الظاهرة للبائع.
فالحاصل أن الثمرة إن ظهرت كثمر العنب إذا تدلى ولو أنه صغير ثم باعه، فلا يتبعه الثمر، وكذلك ثمر التين ظهر، ولو كان صغيرا، فلا يتبعه بالبيع إلا إذا اشترطه، وهكذا ثمر الرمان، والزيتون، وكل الأشجار التي فيها ثمار مقصودة، إذا كانت ثمرته بادية.
أما إذا لم يظهر، بل بقي في زهره، فهناك بعض الأشجار أول ما تنتج زهر، ثم بعد الزهر الثمر، فإذا كان الزهر فقط، فلا يكون الثمر للبائع؛ بل للمشتري.
قوله: (ومثله إذا ظهر الزرع الذي لا يحصد إلا مرة واحدة... إلخ):
مثل: البر والذرة والدخن والشعير، فهذا لا يحصد إلا مرة، وأما مثلا الذي يحصد مرارا كالبرسيم، فإنه إذا باعه فالجزة الظاهرة للبائع والأصول للمشتري.