إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
290341 مشاهدة print word pdf
line-top
باب الصلح


[ باب: الصلح ]
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الحاكم .
فإذا صالحه عن عين بعين أخرى أو بدين جاز.
وإن كان له عليه دين فصالحه عنه بعين، أو بدين قبضه قبل التفرق: جاز.
أو صالحه على منفعة في عقاره أو غيره معلومة، أو صالح عن الدين المؤجل ببعضه حالا، أو كان له عليه دين لا يعلمان قدره، فصالحه على شيء: صح ذلك. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة على جداره رواه البخاري .


[ باب: الصلح ]
الصلح هو- مثلا- إذا كان لك دين عند إنسان، وقد نسيت الوثائق، وهو أيضا نسي الوثائق، ولا يدرى كم هذا الدين، فتقول: سوف نصطلح ونتبايح، فأعطني- مثلا- خمسين واسمح، سواء كان دينك مائة أو عشرة، فيقول: أنا أعطيك الخمسين وأسمح عنك وأبيحك، سواء كان دينك مائة أو عشرة.
كذلك إذا كان ذلك المدين مماطلا، وعليه لك دين، ولكنك لا تقدر على شكايته، فتصطلح معه على نصف الدين أو على ثلثيه، فيعطيك الصلح.
والصلح قد يكون عينا، وقد يكون مالا، فقد يكون دينك مثلا مائة ألف، فيعطيك قطعة أرض، فتقول: أخذت هذه القطعة عن المائة ألف، ولو كانت لا تساوي إلا خمسين ألفا أو عشرة آلاف؛ لأني شبه الآيس من تحصيل ديني منه، فالحاصل أن الصلح جائز.
قوله (قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ):
فلو أن أحدهما كاذب، فإنه يكون قد أحل حراما، فإذا جاءك إنسان وهو كاذب، وقال: لي شيء عندك، وهو يكذب ويعرف أنه كاذب، وأنت نسيت إن كان عندك له شيء، لكنك قلت: أعطيك خمسين وتسمح عني وأسمح عنك فقبل فأعطيته الخمسين، أليس هذا الكاذب أكل حراما؟ الجواب: بلى. فأنت- مثلا- لو كنت تعلم أن عندك له مائة وتعرفها يقينا، وهو يقول: عندك لي دين ولا أدري كم قدره، ولكنك تعلم أنه مائة فجهلته، وقلت: لا أدري كم عندي فقال: أعطني خمسين وأسمح عنك واسمح عني، فأعطيته خمسين، وأنت تعلم أنه مائة، أليس هذا حراما؟ الجواب: بلى. فهذا معنى قوله: أحل حراما أو حرم حلالا .
قوله (فإذا صالحه عن عين بعين أخرى، أو بدين: جاز):
فإذا قال: عندك لي شاة، ولكن أعطني عنها سخلة: جاز ذلك، أو عندك لي قطعة أرض، ولكن أعطني عنها هذه الغرفة جاز ذلك، ولو كان أحدهما دينا غائبا.
قوله (وإن كان له عليه دين فصالحه عنه بعين، أو بدين قبضه قبل التفرق: جاز... إلخ):
فإذا قال مثلا: عندي لك مائة، وليس عندي مال، ولكن أصطلح وإياك على هذا الكيس فخذه: جاز ذلك، فهذا صلح بعين.
أو يصالحه عن دينه بدين بشرط أن يقبضه قبل التفرق، فيقول: أصطلح معك، فأنا عندي لك دين من الدراهم- مثلا أو من البر، ولكن ليس عندي، ولكن أصالحك عنه بخمسين غائبة، فلا يجوز ذلك إلا إذا أحضرها قبل التفرق.
قوله (أو صالحه على منفعة في عقاره أو غيره معلومة ):
كأن يقول: عندي لك ألف، ولكني لا أقدر أن أوفيك، ولكن أصطلح معك على أن تسكن هذه الغرفة خمسة أشهر مقابل الألف، فصالحه على منفعة في عقاره، أو يقول له مثلا: أصالحك على أن تسقي إبلك- مثلا- من ماكنتي لمدة شهر، فهذا صلح أيضا على منفعة في عقاره أو في غيره، ويشترط أن تكون تلك لمنفعة معلومة.
قوله (أو صالح عن الدين المؤجل ببعضه حالا ):
وصورة ذلك: إذا كان الدين يحل في رمضان وهو ألف، فقال: أنا بحاجة إلى ثمانمائة الآن، فأعطني ثمانمائة عن الألف، فذلك يجوز؛ لأنه صالح عن المؤجل ببعضه حالا، ويسمى هذا مسألة: أسقط وتعجل، وقد ذكروا أن بني النضير لما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجليهم، قالوا: يا محمد لنا ديون عند أصحابك، فقال: أسقطوا وتعجلوا ؛ فالذي له ألف لا تحل إلا بعد سنة يأخذ بدلها ثمانمائة، والذي له مائة لا تحل إلا بعد نصف سنة يأخذ بدلها ثمانين، فهذه مسألة أسقط وتعجل.
قوله (أو كان له عليه دين لا يعلمان مقداره فصالحه على شيء صح ذلك):
صورة ذلك: إذا قال مثلا: عندي لك دين ولا أدري مقداره، فقالت: أنا كذلك لا أدري مقداره، فاصطلحا على مائة أو على كيس أو على شاة أو على سكنى دار أو ما أشبه ذلك.
قوله (قال صلى الله عليه وسلم: لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره ):
هذا الحديث يتعلق بالجوار؛ لأن الصلح غالبا يجعلون معه حسن الجوار، وهذا الحديث فيما إذا كان الجار يريد -مثلا- أن يسقف بيته، ولا يستطيع أن يسقفه إلا أن يمد الخشب ويجعله على جدار الجار، فلا يجوز أن يمنعه ولو أنه يضره، وفي هذه الأزمنة أصبحت العادة أنهم يبنون بهذه الصبات، وكل منهم يقيم له الصبات التي تليه ولا ينتفع بجداره، لكن كثيرا ما يكون الجدار حاجزا بينهم، فيصطلحون أن يكون نصفه على هذا ونصفه على هذا أو نحو ذلك، وهذا أيضا من الصلح.

line-bottom