إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
باب الصلح
[ باب: الصلح ]
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- رسم> الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما متن_ح> رسم> رواه أبو داود اسم> والترمذي اسم> وقال: حسن صحيح، وصححه الحاكم حديث> .
فإذا صالحه عن عين بعين أخرى أو بدين رأس> جاز.
وإن كان له عليه دين فصالحه عنه بعين، أو بدين قبضه قبل التفرق: جاز.
أو صالحه على منفعة في عقاره أو غيره معلومة، أو صالح عن الدين المؤجل ببعضه حالا، أو كان له عليه دين لا يعلمان قدره، فصالحه على شيء: صح ذلك. وقال صلى الله عليه وسلم: رسم> لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة على جداره متن_ح> رسم> رواه البخاري اسم> حديث> .
[ باب: الصلح ]
الصلح هو- مثلا- إذا كان لك دين عند إنسان، وقد نسيت الوثائق، وهو أيضا نسي الوثائق، ولا يدرى كم هذا الدين، فتقول: سوف نصطلح ونتبايح، فأعطني- مثلا- خمسين واسمح، سواء كان دينك مائة أو عشرة، فيقول: أنا أعطيك الخمسين وأسمح عنك وأبيحك، سواء كان دينك مائة أو عشرة.
كذلك إذا كان ذلك المدين مماطلا، وعليه لك دين، ولكنك لا تقدر على شكايته، فتصطلح معه على نصف الدين أو على ثلثيه، فيعطيك الصلح.
والصلح قد يكون عينا، وقد يكون مالا، فقد يكون دينك مثلا مائة ألف، فيعطيك قطعة أرض، فتقول: أخذت هذه القطعة عن المائة ألف، ولو كانت لا تساوي إلا خمسين ألفا أو عشرة آلاف؛ لأني شبه الآيس من تحصيل ديني منه، فالحاصل أن الصلح جائز.
قوله (قال النبي صلى الله عليه وسلم: رسم> الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا متن_ح> رسم> ):
فلو أن أحدهما كاذب، فإنه يكون قد أحل حراما، فإذا جاءك إنسان وهو كاذب، وقال: لي شيء عندك، وهو يكذب ويعرف أنه كاذب، وأنت نسيت إن كان عندك له شيء، لكنك قلت: أعطيك خمسين وتسمح عني وأسمح عنك فقبل فأعطيته الخمسين، أليس هذا الكاذب أكل حراما؟ الجواب: بلى. فأنت- مثلا- لو كنت تعلم أن عندك له مائة وتعرفها يقينا، وهو يقول: عندك لي دين ولا أدري كم قدره، ولكنك تعلم أنه مائة فجهلته، وقلت: لا أدري كم عندي فقال: أعطني خمسين وأسمح عنك واسمح عني، فأعطيته خمسين، وأنت تعلم أنه مائة، أليس هذا حراما؟ الجواب: بلى. فهذا معنى قوله: رسم> أحل حراما أو حرم حلالا متن_ح> رسم> .
قوله (فإذا صالحه عن عين بعين أخرى، أو بدين: جاز):
فإذا قال: عندك لي شاة، ولكن أعطني عنها سخلة: جاز ذلك، أو عندك لي قطعة أرض، ولكن أعطني عنها هذه الغرفة جاز ذلك، ولو كان أحدهما دينا غائبا.
قوله (وإن كان له عليه دين فصالحه عنه بعين، أو بدين قبضه قبل التفرق: جاز... إلخ):
فإذا قال مثلا: عندي لك مائة، وليس عندي مال، ولكن أصطلح وإياك على هذا الكيس فخذه: جاز ذلك، فهذا صلح بعين.
أو يصالحه عن دينه بدين بشرط أن يقبضه قبل التفرق، فيقول: أصطلح معك، فأنا عندي لك دين من الدراهم- مثلا أو من البر، ولكن ليس عندي، ولكن أصالحك عنه بخمسين غائبة، فلا يجوز ذلك إلا إذا أحضرها قبل التفرق.
قوله (أو صالحه على منفعة في عقاره أو غيره معلومة رأس> ):
كأن يقول: عندي لك ألف، ولكني لا أقدر أن أوفيك، ولكن أصطلح معك على أن تسكن هذه الغرفة خمسة أشهر مقابل الألف، فصالحه على منفعة في عقاره، أو يقول له مثلا: أصالحك على أن تسقي إبلك- مثلا- من ماكنتي لمدة شهر، فهذا صلح أيضا على منفعة في عقاره أو في غيره، ويشترط أن تكون تلك لمنفعة معلومة.
قوله (أو صالح عن الدين المؤجل ببعضه حالا رأس> ):
وصورة ذلك: إذا كان الدين يحل في رمضان وهو ألف، فقال: أنا بحاجة إلى ثمانمائة الآن، فأعطني ثمانمائة عن الألف، فذلك يجوز؛ لأنه صالح عن المؤجل ببعضه حالا، ويسمى هذا مسألة: أسقط وتعجل، وقد ذكروا رسم> أن بني النضير لما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجليهم، قالوا: يا محمد اسم> لنا ديون عند أصحابك، فقال: أسقطوا وتعجلوا رسم> ؛ فالذي له ألف لا تحل إلا بعد سنة يأخذ بدلها ثمانمائة، والذي له مائة لا تحل إلا بعد نصف سنة يأخذ بدلها ثمانين، فهذه مسألة أسقط وتعجل.
قوله (أو كان له عليه دين لا يعلمان مقداره فصالحه على شيء رأس> صح ذلك):
صورة ذلك: إذا قال مثلا: عندي لك دين ولا أدري مقداره، فقالت: أنا كذلك لا أدري مقداره، فاصطلحا على مائة أو على كيس أو على شاة أو على سكنى دار أو ما أشبه ذلك.
قوله (قال صلى الله عليه وسلم: رسم> لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره متن_ح> رسم> ):
هذا الحديث يتعلق بالجوار؛ لأن الصلح غالبا يجعلون معه حسن الجوار، وهذا الحديث فيما إذا كان الجار يريد -مثلا- أن يسقف بيته، ولا يستطيع أن يسقفه إلا أن يمد الخشب ويجعله على جدار الجار، فلا يجوز أن يمنعه ولو أنه يضره، وفي هذه الأزمنة أصبحت العادة أنهم يبنون بهذه الصبات، وكل منهم يقيم له الصبات التي تليه ولا ينتفع بجداره، لكن كثيرا ما يكون الجدار حاجزا بينهم، فيصطلحون أن يكون نصفه على هذا ونصفه على هذا أو نحو ذلك، وهذا أيضا من الصلح.
مسألة>