جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. logo (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
279423 مشاهدة print word pdf
line-top
باب الصلح


[ باب: الصلح ]
قال النبي -صلى الله عليه وسلم- الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح، وصححه الحاكم .
فإذا صالحه عن عين بعين أخرى أو بدين جاز.
وإن كان له عليه دين فصالحه عنه بعين، أو بدين قبضه قبل التفرق: جاز.
أو صالحه على منفعة في عقاره أو غيره معلومة، أو صالح عن الدين المؤجل ببعضه حالا، أو كان له عليه دين لا يعلمان قدره، فصالحه على شيء: صح ذلك. وقال صلى الله عليه وسلم: لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة على جداره رواه البخاري .


[ باب: الصلح ]
الصلح هو- مثلا- إذا كان لك دين عند إنسان، وقد نسيت الوثائق، وهو أيضا نسي الوثائق، ولا يدرى كم هذا الدين، فتقول: سوف نصطلح ونتبايح، فأعطني- مثلا- خمسين واسمح، سواء كان دينك مائة أو عشرة، فيقول: أنا أعطيك الخمسين وأسمح عنك وأبيحك، سواء كان دينك مائة أو عشرة.
كذلك إذا كان ذلك المدين مماطلا، وعليه لك دين، ولكنك لا تقدر على شكايته، فتصطلح معه على نصف الدين أو على ثلثيه، فيعطيك الصلح.
والصلح قد يكون عينا، وقد يكون مالا، فقد يكون دينك مثلا مائة ألف، فيعطيك قطعة أرض، فتقول: أخذت هذه القطعة عن المائة ألف، ولو كانت لا تساوي إلا خمسين ألفا أو عشرة آلاف؛ لأني شبه الآيس من تحصيل ديني منه، فالحاصل أن الصلح جائز.
قوله (قال النبي صلى الله عليه وسلم: الصلح جائز بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ):
فلو أن أحدهما كاذب، فإنه يكون قد أحل حراما، فإذا جاءك إنسان وهو كاذب، وقال: لي شيء عندك، وهو يكذب ويعرف أنه كاذب، وأنت نسيت إن كان عندك له شيء، لكنك قلت: أعطيك خمسين وتسمح عني وأسمح عنك فقبل فأعطيته الخمسين، أليس هذا الكاذب أكل حراما؟ الجواب: بلى. فأنت- مثلا- لو كنت تعلم أن عندك له مائة وتعرفها يقينا، وهو يقول: عندك لي دين ولا أدري كم قدره، ولكنك تعلم أنه مائة فجهلته، وقلت: لا أدري كم عندي فقال: أعطني خمسين وأسمح عنك واسمح عني، فأعطيته خمسين، وأنت تعلم أنه مائة، أليس هذا حراما؟ الجواب: بلى. فهذا معنى قوله: أحل حراما أو حرم حلالا .
قوله (فإذا صالحه عن عين بعين أخرى، أو بدين: جاز):
فإذا قال: عندك لي شاة، ولكن أعطني عنها سخلة: جاز ذلك، أو عندك لي قطعة أرض، ولكن أعطني عنها هذه الغرفة جاز ذلك، ولو كان أحدهما دينا غائبا.
قوله (وإن كان له عليه دين فصالحه عنه بعين، أو بدين قبضه قبل التفرق: جاز... إلخ):
فإذا قال مثلا: عندي لك مائة، وليس عندي مال، ولكن أصطلح وإياك على هذا الكيس فخذه: جاز ذلك، فهذا صلح بعين.
أو يصالحه عن دينه بدين بشرط أن يقبضه قبل التفرق، فيقول: أصطلح معك، فأنا عندي لك دين من الدراهم- مثلا أو من البر، ولكن ليس عندي، ولكن أصالحك عنه بخمسين غائبة، فلا يجوز ذلك إلا إذا أحضرها قبل التفرق.
قوله (أو صالحه على منفعة في عقاره أو غيره معلومة ):
كأن يقول: عندي لك ألف، ولكني لا أقدر أن أوفيك، ولكن أصطلح معك على أن تسكن هذه الغرفة خمسة أشهر مقابل الألف، فصالحه على منفعة في عقاره، أو يقول له مثلا: أصالحك على أن تسقي إبلك- مثلا- من ماكنتي لمدة شهر، فهذا صلح أيضا على منفعة في عقاره أو في غيره، ويشترط أن تكون تلك لمنفعة معلومة.
قوله (أو صالح عن الدين المؤجل ببعضه حالا ):
وصورة ذلك: إذا كان الدين يحل في رمضان وهو ألف، فقال: أنا بحاجة إلى ثمانمائة الآن، فأعطني ثمانمائة عن الألف، فذلك يجوز؛ لأنه صالح عن المؤجل ببعضه حالا، ويسمى هذا مسألة: أسقط وتعجل، وقد ذكروا أن بني النضير لما أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يجليهم، قالوا: يا محمد لنا ديون عند أصحابك، فقال: أسقطوا وتعجلوا ؛ فالذي له ألف لا تحل إلا بعد سنة يأخذ بدلها ثمانمائة، والذي له مائة لا تحل إلا بعد نصف سنة يأخذ بدلها ثمانين، فهذه مسألة أسقط وتعجل.
قوله (أو كان له عليه دين لا يعلمان مقداره فصالحه على شيء صح ذلك):
صورة ذلك: إذا قال مثلا: عندي لك دين ولا أدري مقداره، فقالت: أنا كذلك لا أدري مقداره، فاصطلحا على مائة أو على كيس أو على شاة أو على سكنى دار أو ما أشبه ذلك.
قوله (قال صلى الله عليه وسلم: لا يمنعن جار جاره أن يغرز خشبة في جداره ):
هذا الحديث يتعلق بالجوار؛ لأن الصلح غالبا يجعلون معه حسن الجوار، وهذا الحديث فيما إذا كان الجار يريد -مثلا- أن يسقف بيته، ولا يستطيع أن يسقفه إلا أن يمد الخشب ويجعله على جدار الجار، فلا يجوز أن يمنعه ولو أنه يضره، وفي هذه الأزمنة أصبحت العادة أنهم يبنون بهذه الصبات، وكل منهم يقيم له الصبات التي تليه ولا ينتفع بجداره، لكن كثيرا ما يكون الجدار حاجزا بينهم، فيصطلحون أن يكون نصفه على هذا ونصفه على هذا أو نحو ذلك، وهذا أيضا من الصلح.

line-bottom