إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
الطلاق البائن والرجعي
فصل
[ الطلاق البائن والرجعي رأس> ]
ويملك الحر ثلاث طلقات رأس>
فإذا تمت لم تحل له حتى تنكح زوجًا غيره بنكاح صحيح ويطؤها، لقوله تعالى: رسم> الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ قرآن> رسم> إلى قوله: رسم> فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ قرآن> رسم> البقرة: 229 - 230 آية> .
[ الطلاق البائن والرجعي ]
قوله: (ويملك الحر ثلاث طلقات):
بعد أن تكلمنا على صيغ الطلاق وما يستعمل فيها من عبارات، وأن منها ما هو صريح كقوله: أنت طالق أو طلقتك أو أنت مطلقة، أو لفظ الفراق، أو لفظ التسريح الذي ذكره الله، أو فارقوهن بمعروف، أو سرحوهن بمعروف، وكذلك الكنايات مثل قوله: أنت حرة، وأنت بائن، وأنت حبلك على غاربك، واذهبي، وذوقي، وتجرعي، واخرجي، واحتجبي، وما أشبه ذ لك.
بعد ذلك اختلف في بعض الأمور، ومنها: إيقاع الثلاث جميعًا كأن يقول:
أنت طالق ثلاثًا، فقيل: إنها تقع واحدة، كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- ولكنه خالف بذلك الأئمة الأربعة، وعذره أنه في زمانه ابتلي بالتحليل، صار الرجل إذا قال: أنت طالق ثلاثًا رأس> ورأى أنه لا يتمكن من استرجاعها استأجر من يحللها، والتحليل حرام كما هو معلوم، ودليله في ذلك حديث في صحيح مسلم والحديث قد اختلفوا فيه، وذكر صاحب سبل السلام عنه ستة أجوبة، وكأنه لم يقنع بها.
كذلك قولهم: أنت طالق البتة، كثير من العلماء يقول: البتة هي الثلاث، فلو كان يملك ألف طلقة ثم قال: أنت طالق البتة رأس> فإنها تحرم عليه أبدًا، هذا هو
اختاره جمع، وقال فريق آخر: لا يقع إلا واحدة.
أما عدد الطلقات التي يملكها المطلق الحر فهي ثلاث طلقات، وأما العبد فيملك طلقتين.
والسنة أن يطلقها واحدة ويتركها حتى تنقضي عدتها، فإن أراد الرجعة راجعها في العدة، وإن لم يرد رجعتها فإنها تحل لغيره بعد العدة، وتحل له بعد العدة برضاها ويكون خاطبًا من الخطاب، هذا هو طلاق السنة، بأن يطلقها واحدة، فمثلا إذا طهرت من حيضتها وقبل أن يطأها قال: أنت طالق، أو اشهد يا فلان وفلان أني طلقت امرأتي فلانة، ثم يتركها في منزله حتى تنتهي عدتها، فإن أرادها وراجعها وجامعها رجعت إلى عصمته، وإن لم يراجعها حتى
انقضت عدتها سرحها بمعروف وأرسلها إلى أهلها، وحلت لغيره من الأزواج، وتحل له إن أرادها ولو بعد سنة أو عشر سنين برضاها وبعقد جديد وبمهر جديد.
قوله: (فإذا تمت لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره... إلخ):
صورة ذلك: إذا طلقها مرة ثم راجعها في العدة، أو نكحها بعد العدة، ثم طلقا الثانية ثم راجعها في العد، ة أو نكحها بعد العدة، ثم طلقها الثالثة؛ فإنه قد تم ما يملك من الطلقات، فإذا تمت الثلاث فلا تحل له حتى تنكح زوجًا غيره، ويشترط في الزوج الأخير أن يكون ناكحًا لها نكاح رغبة لا نكاح تحليل، وقد تقدم لنا تحريم التحليل. وكذلك لا بد أن يدخل بها الزوج الثاني ويطأها حتى تحل للأول، لقصة امرأة رفاعة حينما قالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني فبت طلاقي ونكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير، وذكرت أنه لم يصبها، فقال:
أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟! لا تحلين له حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته يعني: حتى يحصل الوطء، فالله تعالى أطلق النكاح فقال: رسم> الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ قرآن> رسم> البقرة: 229 آية> يعني: الطلاق الرجعي؛ لأنه قال: رسم> وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ قرآن> رسم> البقرة: 228 آية> يعني: بعد الطلقتين، ثم قال: رسم> فَإِنْ طَلَّقَهَا قرآن> رسم> أي الثالثة رسم> فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ قرآن> رسم> البقرة: 230 آية> فقوله: رسم> حَتَّى تَنْكِحَ قرآن> رسم> البقرة: 230 آية> بين النبي -صلى الله عليه وسلم- أن النكاح هنا الدخول بها والوطء، يعني: أن يدخل ويستمتع بها، فإذا طلقها الثاني أو مات عنها حلت للأول.
مسألة>