اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم.
shape
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
279400 مشاهدة print word pdf
line-top
الهزل بالنكاح أو الطلاق أو الرجعة

وفي الحديث: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة رواه الأربعة إلا النسائي. .


قوله: (وفي الحديث: ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة ):
الهزل هو: الكلام الذي يقصد به التهكم مثلا أو السخرية؛ فإنه يقع، فلو قال: زوجتك ابنتي وهو هازل ولو كانت صغيرة، فقال: قد قبلتها وفرضت لها مثلاً ألفا، اشهد يا فلان ويا فلان- تم العقد ولو كانا هازلين!! فينعقد النكاح وتصبح زوجة له، ولو كانت صغيرة، لأن الأب يجوز له أن يزوجها بلا رضاها إذا رأى في ذلك مصلحة، فمثل هذا لا يهزل به ولا يتهكم به.
وكذلك الطلاق لا يصح أن يكون هزلا فإذا هزل به فإنه يقع، فلو قال- مثلا لفظًا أو كتابةً- زوجتي طالق، أو كتب: فلانة طالق- اسم امرأته- ثم قال: ما أردت طلاقها، ما أردت بذلك إلا تحسين خطي، أو ما أردت بذلك إلا إضرارها، أو غمها، أو نحو ذلك، فإنه يقع الطلاق بذلك، ولا نلتفت إلى قصده؛ بل نحكم عليه بما أظهر.
وكذلك الرجعة أيضًا، إذا راجعها ظاهرًا بأن قال: راجعتها، وهو ما قصد الرجعة في باطنه- تقع الرجعة وترجع إليه.
فالحاصل: أنه لا يجوز التهكم بعقد النكاح أو الطلاق أو الرجعة؛ فإن ذلك يقع، ولو لم تكن نيته التزويج أو المراجعة أو الطلاق فيعامل بما أظهر.

line-bottom