عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) .    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر. تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
229141 مشاهدة
الصفات المعتبرة في القاضي

ممن له معرفة بالقضاء بمعرفة الأحكام الشرعية، وتطبيقها على الوقائع الجارية بين الناس.
وعليه أن يولي الأمثل فالأمثل في الصفات المعتبرة في القاضي.
ويتعين على من كان أهلاً، ولم يوجد غيره، ولم يشغله عما هو أهم منه.


قوله: (ممن له معرفة بالقضاء بمعرفة الأحكام الشرعية وتطبيقها على الوقائع الجارية بين الناس):
الواجب على الإمام أن ينصب القاضي الذي له معرفة بالأحكام الشرعية، أي: أدلتها، ويعرف كيفية تطبيقها والعمل بها.
والقضاة الذين لهم خبرة يعرفون الصادق بمجرد كلامه أو بمجرد رؤيته ولهم في ذلك وقائع عجيبة يتعجب منها، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- في كتابه الذي سماه الطرق الحكمية عجائب من القضاة الذي تولوا القضاء، ومنهم علي -رضي الله عنه- له قصص واقعية ذكر بعضها.

وكذلك أيضا هناك كتاب اسمه (تاريخ القضاة) للقاضي ابن رفيع ترجم فيه للقضاة وذكر قضايا، وكذلك أيضًا هناك كتاب في ثلاثة مجلدات اسمه (أخبار القضاة) للقاضي وكيع.
فالحاصل أنهم بممارستهم القضاء وقفوا على عجائب وعرف بذلك ذكاؤهم وفطنتهم ومعرفتهم الصادق من الكاذب، ولكن لا بد من معرفة الأحكام الشرعية وتطبيقها على الوقائع الجارية بين الناس.
قوله: (وعليه أن يولي الأمثل فالأمثل في الصفات المعتبرة في القاضي):
يعني: على الإمام أن يولي الأحق بالقضاء ويشترطون في القاضي عدة صفات أساسية لا بد من توفرها فيه حتى يحق له القضاء.
أولا: صفات لازمة: فيشترطون مثلاً أن يكون رجلاً لا امرأة، وأن يكون مسلمًا، وأن يكون حرًّا، وأن يكون عاقلاً، وأن يكون بالغًا، وأن يكون عدلاً.
ويشترطون أيضًا الأمثل فالأمثل فيقدم مثلاً الذي يسمع على ثقيل السمع، والمبصر على فاقد البصر، والمتكلم على ثقيل الكلام، والعربي الفصيح، على الأعجمي غير الفصيح وما أشبه ذلك.
ويقدم العالم الجليل على المبتدئ أو على المتوسط، وكذلك أيضًا ينظر إلى أخلاق القاضي؛ فيقدم مثلاً. كثير الحلم وكثير التؤدة وكثير التوازن وتام العقل وتام المعرفة ولين الجانب وما أشبه ذلك.
ويصفونه بأنه لا بد أن يكون لينًا ولكن لا يكون معه ضعف، بحيث يطمع فيه الكاذب ونحوه، وأن يكون قويًا ولكن لا تكون قوته معها عنف بحيث ييأس صاحب الحق من حقه، وأشباه ذلك.
قوله: (ويتعين على من كان أهلا، ولم يوجد غيره، ولم يشغله عما هو أهم منه):
إذا لم يوجد لهذا العمل الجليل إلا أنت وأنت أهل لذلك، تعين ذلك عليك إذا كلفت من قبل الوالي العام بشرط أن لا يشغلك عما هو أهم منه، أي: لا يشغلك عن طلب العلم أو تعليمه مثلاً، أو لا يشغلك عن واجب كحق أهلك عليك وما أشبه ذلك.
فالحاصل أنه إذا لم يوجد إلا إنسان واحد كفء ولم يوجد غيره؛ لزمه الامتثال.