عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة) قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
218159 مشاهدة
تعين الدراهم والدنانير بالتعيين في عقد الصرف

والدراهم، والدنانير تتعين بالتعيين في العقد ؛ لأنها عوض مشار إليه في العقد. فوجب أن تتعين كسائر الأعواض، فلا تبدل بل يلزم تسليمها إذا طولب بها لوقوع العقد على عينها.


هذه مسألة خلافية والمراد بالدراهم والدنانير هنا؛ الدنانير الذهبية والدراهم الفضية تتعين بالتعيين؛ فلا تبدل إذا وقع العقد عليها.
ولعل السبب في ذلك أنه قد يرغب في شيء خاص. أتذكر كنا زمانا نتعامل بالريال الفرنسي، فتارة يكون الريال من كثرة استعماله قد سود. وكذلك زمنا طويلا في حدود سنة خمسة وخمسين صار التعامل بالريال الفضي، الذي طبع في عهد الملك عبد العزيز ومع كثرة استعماله أيضا استعمله كثير من البوادي والحضار ونحوهم؛ فتتسخ ويركبها شيء من الوسخ ويركبها شيء من السواد فتقل الرغبة فيها.
فإذا مثلا بعنا ثوبا بخمسة ريالات. نقول: نبيعك بخمسة ريالات لكن الريال هذا، وهذا، وهذا، ولا نقبل منك هذا، وهذا، وهذا. فتتعين هذه الخمسة التي عيناها، وأشرنا إليها، وليس له أن يبدلها، ما بعناك إلا بهذا الريال، وهذا الريال، وهذه الدراهم التي خصصنا فليس له أن يبدلها.
ولو كانت مساوية للأخر في كونها ريالا وكونها كذا وكذا. فلا يعطيك بدلها ما دمت قد اخترتها دون غيرها.
وكذلك الجنيه. يوجد أحيانا في بعض الجنيهات شيء من الغش، يعني يخلط بنحاس، ويعرفه النقاد. فإذا قال: ما أبيعك مثلا هذه الشاة إلا بهذا الجنيه، لو أعطيتني جنيها غيره لا أقبل، فيعينه، ويخصصه فإذا تعين فإنه يتعين وليس له أن يبدله.
ولك أن تتمسك بطلبه، أو تفسخ العقد، تقول: إما أن تعطيني هذا الجنيه عن هذه شاتي. وإلا فلا عقد بيننا. فإذا قال: هذا الجنيه وهذا الجنيه سواء سواء خذ واحدا بداله. أو مثلا الجنيه الذي نصصت عليه ووسمته قد اشتريت به من آخر؛ فإن لك أن تطالب به أو ترد العقد. كما أن الشاة تتعين.
إذا مثلا إن كان عندك بيعة من الغنم لو اشترى منك شاة بخمسمائة ولكنه عينها. قال: لا أريد إلا هذه الشاة من الضأن، أو هذه الشاة من المعز. عينها. فليس لك أن تعطيه بدلها؛ لأنه ما اشترى إلا هذه. فكذلك أنت إذا بعتها بجنيه معين فإنك تطالب بنفس الجنيه الذي وقع عليه العقد. هذا معنى كونها تتعين بالتعيين فلا تبدل.
كما أن الأعواض الأخرى تتعين بالتعيين؛ يعني الشاة خصصها ولو كانت مماثلة، والثياب خصصها ولو كانت مماثلة. أما إذا لم يعين بل قال: مثلا بعتك بخمسمائة فإنك تعطيه خمسمائة من أية نقد، ولا يطالبك بفئة معينة. اشترى منك بخمسمائة يعطيك خمسمائة ورقة واحدة أو يعطيك خمس ورقات فئة المائة، أو يعطيك مثلا عشر ورقات فئة الخمسين، أو يعطيك فئة العشرة أو فئة الخمسة. تقبل ما آتاك لأن الجميع جملة واحدة؛ لأنه لم يعين.
يمكن أن يقال ذلك أيضا في الأوراق. يعني إذا كان مثلا معه أوراق فئة الخمسمائة، ولكن فيها شيء من التمزق، أو قريبة فتبلى؛ فقلت: أبيعك بهذه الورقة الجديدة فئة خمسمائة، فإنها تتعين، ولا يعطيك من الأخر. لكن لو أخرج لك فئة خمسمائة جديدة مثلها فإن قصدك حصل وهو كونها سليمة من العيب. نكمل الشرح.