شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة الإسلام خير الأديان نظافة وآدابا، ولم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأتباعه أمرا إلا بينه لهم، حتى آداب قضاء الحاجة وما يتعلق بها من التباعد عن النجاسات ونحو ذلك الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
177359 مشاهدة
وكل مالَيْنِ حَرُم النسء فيهما لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر

وكل مالَيْنِ حرم النسء فيهما لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر؛ لأن السلم من شَرْطِهِ التأجيل.


كل مالين حرم النَّسَاءُ فيهما لم يصح إسلام أحدهما في الآخر؛ لأن السلم من شرطه التأجيل وقد تقدم ذلك في باب الربا، فعندنا مثلا الدراهم والدنانير يحرم النَّساء فيهما إذا بيع أحدهما بالآخر، فيحرم النَّساء فيهما، ويسمى بيع أحدهما بالآخر صرفا، وقد تقدم أن الصرف لا بد فيه من التقابض في المجلس، فإذا صرفت مثلا ريالات بجنيهات، فلا بد من التقابض قبل التفرق، وكذلك إذا اشتريت ذهبا بريالات ورقية فلا بد من التقابض قبل التفرق؛ وذلك لأن الدراهم والدنانير يحرم النَّساء فيهما، إذا بيع أحدهما بالآخر فلا يجوز إلا يدا بيد تقول: خذ هذه الجنيهات وأعطني هذه الريالات يدا بيد في مجلس العقد، هذان يحرم النَّساء فيهما.
وقد تقدم في باب الربا أن العلة في الذهب والفضة الوزن، هذا قول، والقول الثاني: أن العلة الثمنية كونهما أثمانا، هذا قول، وإن كان العمل أو المذهب الحنبلي أن العلة هي في الذهب والفضة كونهما موزوني الجنس، وألحقوا بهما الموزونات فقالوا: كل الموزونات تلحق بهما فتكون ربوية، فألحقوا اللحوم؛ لأنها تباع وزنا فقالوا: إنها ربوية كما تقدم، وكذلك ما يوزن كالحديد والقطن والكتان والصوف والرصاص يعني الأشياء التي تباع قديما بالوزن، فإنها تكون ربوية، وأما الأشياء التي تباع بالعدد ولو أصبحت موزونة الآن يعني مثل الخضار والعنب والفواكه بأنواعها فهذه ولو كانت موزونة فإنها في الأصل معدودة فليست ربوية.
أما علة الربا في الأربعة التي في حديث عبادة البر والتمر والشعير والمِلح فهذه قد ذهب الإمام أحمد إلى أن علة الربا فيها الكيل، فألحق بهما كل مكيل، ثم قال الفقهاء: إنه لا يجوز بيع مكيل بمكيل إلا يدا بيد، فيحرم النَّساء فيهما، فإذا حرم النساء فيهما لم يجز جعل أحدهما رأس مال سَلَم؛ لأن من شرط السلم أن يكون غائبا، فلا يجوز جعل أحدهما رأس مال في الآخر، فلا تقول مثلا: أعطيك عشرة آصع من البر بعشرين أو ثلاثين صاعا من الشعير مؤجلة يعني: سلما لا يجوز؛ وذلك لأن هذا مكيل وهذا مكيل، وبيع مكيل بمكيل لا بد فيه من التقابض قبل التفرق أن يكون يدا بيد، دليل ذلك قوله في حديث عبادة إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد فجَعل هذا من بيع ما فيه علة، ما اتفقت فيه العلة الواحدة وهي الكيل، فلا يجوز مثلا أن نجعل المكيل رأس مال في سلم المكيل، فلا تقول مثلا: أعطيك عشرين صاع رز ثمنا لسبعين صاع بر عند الحصاد، أو بعد ستة أشهر سلما؛ وذلك لأن الرز مكيل والبر مكيل. العلة فيهما واحدة، ولا يجوز بيع أحدهما بالآخر إلا يدا بيد فيحرم النَّساء فيهما، فإذا حرم النَّساء فيهما، لم يجز جعل أحدهما رأس مال سلم للآخر؛ لأن من شرط السلم أن يكون المسلم فيه غائبا.
فهذان مثالان فيما لا يجوز النساء فيهما، مثال للمكيلات ومثال للموزونات، فمثال المكيلات كون المبيع برا والثمن رزا اشتريت منك خمسين صاع بر بعشرة أصواع رز الرز حاضر والبر غائب بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر لا يجوز، قد عرفنا أن الأربعة، وكل ما يلحق بها لا بد أن يكون رأس المال فيها، لا بد أن تكون يدا بيد، وألحقنا بها كل ما كان موزونا، فنقول مثلا: لو قال: أشتري منك مائة صاع زبيب تعطينيها بعد ستة أشهر بخمسمائة صاع تمر أسلمها لك الآن لم يجز؛ وذلك لأن الزبيب مكيل والتمر مكيل، وبيع المكيل بالمكيل لا بد فيه أن يكون يدا بيد العلة فيهما واحدة وهي الكيل.
وكذلك أيضا الموزونات فلا يجوز مثلا أن تقول: بعتك أو اشتريت منك مائة كيلو حديد بعشرة كيلو رصاص، الحديد مؤجل لمدة ستة أشهر والرصاص حاضر لا يجوز؛ وذلك لأن العلة فيهما واحدة وهي الوزن هذا موزون وهذا موزون، وبيع الموزون بالموزون لا بد فيه من التقابض قبل التفرق كما سبق في الربا.
فهذا معنى قوله: كل جنسين حرم النساء فيهما لم يجز جعل أحدهما رأس مال في الآخر؛ لأن من شرط السلم أن يكون المسلم فيه غائبا، فإذا كان غائبا فلا يكون البيع صحيحا؛ لأن بيع الجنسين أي: بيع ما فيهما علة واحدة لا بد فيهما من التقابض.
وهناك في الموزونات استثنوا النقود؛ حتى لا يُسد باب السلم في المكيلات، تقدم ذلك لما ذكروا لما قالوا: ويحرم ربا النسيئة في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل ليس أحدهما نقدا، لماذا استثنوا النقد؟ قالوا: لئلا ينسد باب السلم في الموزونات، لو منع لقيل: لا يجوز بيع السلم في الموزونات، والصحيح أنه يجوز، يجوز مثلا أن تشتري منه خمسمائة كيلو من اللحم بألف ريال تنقدها له مع أن الريالات موزونة واللحم موزون، والحاجة داعية إلى السلم فيه، وكذلك مثلا لو قلت: أشتري منك في ذمتك مائة كيلو رصاص بمائتي ريال أو ثلاثمائة ريال أنقدها لك الآن، والرصاص تعطينيه بعد نصف سنة هذا يجوز؛ وذلك لأن أحد رأسي.... فاستثنوا النقد لئلا ينسد باب السلم في الموزونات.

وإن قبض البعض.


اشتريت منك في ذمتك خمسمائة صاع بألف ريال، الأصل أن تعطينيها بعد ستة أشهر، والألف ريال أعطيكها الآن، ثم إنه التمس ولم يجد إلا نصف القيمة، فسلمه نصف القيمة، ثم تفرقا قبل الباقي، صح العقد في ثمن النصف، وبطل في غيره، في النصف الباقي، فلو جاءه بالثمن بعد يومين أو بعد ثلاثة أيام وقال: هذا بقية الثمن الذي اتفقنا عليه قبل يومين، اتفقنا على أن أسلمك خمسمائة بألف، أعطيتك مثلا نصفها وبقي نصفها وهاهي الآن معي، نقول: يجددان العقد، ولا يكفي عقدهما الأول، يجددان العقد في النصف الباقي من الثمن، ولأحدهما أن يمتنع، فلو مثلا أنه رخص السعر، سعر البر، فللمشتري أن يفسخ العقد في النصف الذي ما سلمه، ويقول: تبين أني مغبون، اشتريت منك الصاع بريالين غائبا، والناس يشترونه بريال ونصف، فيكفيني ما أخذته، والعقد في البيع في النصف الباقي لا يلزمني. وكذلك لو كان العكس: لو ارتفع السعر، بدل ما كانت خمسمائة كيلو أو صاع قيمتها ألف، ودفع نصفها أصبحت قيمتها ألفان، ففي هذه الحال له أن يرجع؛ وذلك لأنه مغبون، فيقول: الذي قبضناه تم العقد فيه، والنصف الباقي بعد ارتفاع السعر أو بعد انخفاضه لا يلزمنا، إن أردنا ذلك جددنا العقد، وإن لم نرد ذلك فلا يلزمنا.