الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
170112 مشاهدة
بيع المجهول

وإن باع من الصبرة كل قفيز بدرهم لم يصح ؛ لأن من للتبعيض وكل للعدد فيكون مجهولا بخلاف ما سبق؛ لأن المبيع الكل لا البعض فانتفت الجهالة، وكذا لو باعه من الثوب كل ذراع بكذا، أو من القطيع كل شاة بكذا. لم يصح لما ذكر.


إن هذه الفرق بينها وبين الصورة التي قبلها فرق دقيق، لذلك وقع فيها خلاف لو قال: بعتك من الصبرة كل قفيز بدرهم، القفيز مكيال معروف، من الصبرة لم يقل اشتريت كل الصبرة بل قال من الصبرة، فيقول لا يصح؛ لأن المبيع مجهول، قدر المبيع مجهول فقد يشتريها مثلا إلا صاعين أو إلا قفيزين، فيتضرر بذلك البائع قل خذه كله أو اتركه كله، وكذلك من الثوب كل ذراع بدرهم بعتك من الثوب كلمة من تدل على التبعيض، فيفيد أنه إذا اشتراها قال: من الثوب فكأنه لا يشتري إلا البعض، الصورة التي تقدمت كل ذراع بعتك الصبرة، بعتك الثوب، بعتك القطيع، كل ذراع أو كل قفيز أو كل شاة، ففي هذه الحال أن المبيع هو الكل.
وأما في الحالة الثانية فالمبيع هو البعض فيكون المبيع مجهولًا، قد يشتري منه صاعا وهو يظن أنه يشتريها كلها، ومعلوم أن بيع الجملة يتسامح فيه يباع رخيصا بخلاف إذا أخذه صاعا وهذا صاعا فإنهم يبيعونه بأرفع من الثمن، لذلك يقال: لا بد أن يكون المبيع هو الكل لا البعض.
ومع ذلك فالناس على هذا، يعني تجد أهل المباسط يبيعها يقول مثلا: الحبة بكذا كالذي يبيع الجح، وهو متساو مثلا الحبة بخمسة، يقول: أشتري منك من هذه الكومة الواحد بخمسة مثلا، أو من هذه الصناديق، أو الصندوق بعشرين، والناس على هذا، أو تأتي إليه وقد جمع أو كوم مثلا القهوة فيقول: الكيلو بعشرة الكيلو بعشرين. كل ذلك واقع الناس يمشون عليه بلا كراهة فدل على أن الأمر فيه سعة وهو أنه يجوز، وإنما منعوه مخافة أن يكون فيه جهالة، وهو أنه إذا قال: من الصبرة كل قفيز، فمن للتبعيض وكل للعدد، فيكون المشترى مجهولا، فيتضرر البائع حيث إنه قد يفسد عليه بيعه، قد لا يشتري منه إلا قليلا فيفسد الباقي، وقد يترك منه قليلا لا يجد من يشتريه، وقد يبيعه بثمن الجملة ولا يشتري إلا شيئا يسيرا بثمن المفرق، فكل هذا دليل على أنه منعوا ذلك لأجل الضرر، ومع ذلك فإذا توافقوا على ذلك فلا محظور.
لكن إذا اختلفت السلع كالغنم مثلا الأصل أنها تختلف وأنها تتفاوت منها ما يساوي مائة ومنها ما يساوي ألف، فالأصل أنها تباع كل بما يساويه، وتقدر قيمة كل شاة بما تساويه من نقود هذا هو الأصل.
وأما الطعام الغالب أنه متساوي، فإذا وجد ما فيه تفاوت كالجح وما أشبهه معلوم أنه يتفاوت بالصغر وبالكبر ويتفاوت أيضا بالنضج وعدمه فيتفاوت ثمنه. بخلاف البر أو الأرز فالغالب أنه لا يتفاوت وأنه يقدر في الأكياس بمقادير محددة معلومة.
والأصل في هذا أن يقال إن العرف له اعتباره، فإذا تعارف الناس على أنهم يبيعون بالجملة كذا وبالمفرط كذا، وجود التفاوت في الثمن، فلا مانع من اعتبار هذه الأعراف والعادات. وكذلك أيضا إذا اعتادوا أنهم يبيعونه بالكوم أو يبيعونه بالميزان أو يبيعونه بالجزاف أو يبيعونه بالكيل أو بالوزن أو ما أشبه ذلك رجع إلى ما تعارفوا عليه... يتسامح في التفاوت منها واعلم أنه يتسامح فيه...