إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة يجوز أن يعلم القبر بعلامات يعرف بها، فقد ثبت أنه صلى الله عليه و سلم لما دفن عثمان بن مظعون جعل عند قبره حجرا وقال: "أعرف به قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلي". فيجوز أن يجعل علامة كحجر أو لبنة أو خشبة أو حديدة أو نحو ذلك، ليميز بها القبر عن غيره حتى يزوره ويعرفه.أما أن يكتب عليه فلا يجوز؛ لأنه قد نهي أن يكتب على القبور حتى ولو اسمه، وكذلك نهي أن يرفع رفعا زائدا عن غيره. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا وما يعبر به عنها، وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الرؤى، فقد يفهم فهما بعيدا، وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى فيخطئ في ذلك. لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
175785 مشاهدة
إذا أسلم إلى أجل مجهول

ولا إن أسلم إلى أجل مجهول كإلى الحصاد والجذاذ وقدوم الحاج لأنه يختلف فلم يكن معلوما.


يقول: لا يصح السلم حالًّا، لا يسمى سلما بل يسمى بيعا، ولو أن المبيع مثلا يأتي به بعد يوم أو بعد يومين، هذا ليس له وقع في الثمن، فلا يسمى سلما؛ لأن السلم ما عُجل ثمنه وأُخر مثمنه، فإذا كان العوض عن الحاضرين، فإنه يسمى بيعا.
فإذا قال مثلا: بعتك عشرين صاعا، عشرة أسلمها لك الآن، وعشرة أسلمها لك بعد يوم أو بعد نصف يوم، فهل تفرق بين العشرتين؟ لا تفرق في الثمن ولا يفرق هو، فتقول مثلا: كلها الصاع مثلا بخمسة التي تسلمها لي الآن، والتي تسلمها بعد يوم أو نصف يوم. الأجل قصير؛ لا يسمى هذا مؤجلا.
فلا يصح حالًّا ولو كان غائبا عن مجلس العقد، لو قال مثلا: بعتك مائة صاع ولكنها الآن في المستودع، والمستودع مثلا مفتاحه مع غلامي والغلام مسافر ولا يأتي إلا بعد يوم أو بعد يومين، قبضت الثمن، لا يسمى هذا سلما لأن الأجل قريب، الأجل قصير، في هذه الحال لا تفرق بين الثمنين بين المؤجل بيوم والحاضر الذي تستلمه الآن.
وأما إذا كان الأجل مجهولا فلا يصح؛ وذلك لأنه لا بد أن يكون معلوما، في الحديث يقول -صلى الله عليه وسلم- من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم تحديد الأجل يكون بالشهر: كشهرين أو باليوم كسبعين يوما أو مائة يوم، يعني: يحدد بالشهر أو يحدد بالأيام، فإذا حدد بالأشهر فإنها تصير أشهرًا هلالية ولو كان بعضها ناقصا، هذا إذا كان في بلاد تؤرخ بالتاريخ الهجري، وأما إذا كانوا يؤرخون بالتاريخ الميلادي فإن الأشهر عندهم هي الأشهر الميلادية التي اصطلحوا عليها وإن كانت وهمية، ولكنهم اصطلحوا عليها بالحساب فنقول: إنه يحدد بالأشهر أو بالأيام، فإذا كان مجهولا حصل الخلاف، لكن إذا كانت الجهالة يسيرة فإنه يُتسامح فيه، والجهالة اليسيرة: هي الشيء الذي يكون قريبا ما يحصل تفاوت كثير.
اختلف في الحصاد والجذاذ هل يكون أجلا معلوما أم لا؟ فأكثر الفقهاء قالوا: لا يجوز قالوا: لأن الناس يختلفون في الحصاد، منهم من يحصد مثلا في أول الشهر، ومنهم من يحصد في آخره، ومنهم من يحصد بعد الآخر بشهر، وكذلك الجذاذ وهو صرام النخل يختلف أيضا، فمن النخيل ما تصرم في أول الشهر، ومنها ما تصرم بعد شهر وبعد شهرين، وبعد ثلاثة يحصل بينها تفاوت، هذا التفاوت يحصل بها اختلاف في الثمن، فلا يصح إلى الحصاد والجذاذ، أجاز ذلك بعض العلماء وقالوا: إن التفاوت يسير بين الحصاد- حصاد الزروع- وغالبا أنه متقارب، كانوا يحصدونه بالمناجل قبل أن تجيء الحاصدات ثم الغالب أن كل بلاد يتقارب نضج الزروع فيها، وتختلف عن البلاد الأخرى، فإذا كانوا في بلد وجعلوه إلى الحصاد والحصاد متقارب، فالأولى أنه يصح وكذلك إذا قالوا: إلى الجذاذ، فالأولى أيضا أنه يصح ويصير إلى أوله، يصير أول ما يبدءون في الحصاد أو أول ما يبدءون في الصرام - يحل ذلك الأجل، ويلزمه دفعه إذا طالب به وقد يتغاضون عن بعض الشيء.
أما قولـه: ولا إلى قدوم الحاج، كان الحجاج في ذلك الزمان يطيلون الغيبة، يمكن..؛ لأن الشارح مصري وينقل أيضا عن كتب الحنابلة وكتب الحنابلة مؤلفة غالبها في الشام الحجاج في ذلك الزمان لا يقدمون إلا في آخر شهر محرم، يسافرون في آخر أو في وسط شهر شوال، ويرجعون في شهر محرم أو في آخر محرم ولكنهم يتفاوتون فمنهم من يسرع السير ويأتي في أول الشهر، ومنهم من يأتي في وسطه، ومنهم من يأتي في آخره، فلما كانوا يتفاوتون قالوا: هذا أجل غير منضبط، فلا بد أن يكون الأجل الذي يحدد لهما منضبطا لا يحصل فيه اختلاف، لا بالأيام ولا بالأشهر، ولكن في زماننا هذا الغالب أن قدوم الحاج قريب، وأنه لا يحصل به تفاوت إلا قليلا حتى في أقصى البلاد، ولو في أقصى المغرب أو أقصى المشرق، قد يصل كثير من الحجاج إلى أقصى المشرق قبل أن يصل الحجاج أو بعض الحجاج الذين في الحجاز بواسطة الطائرة فعلى هذا نقول: لا يصح تأجيله إلى قدوم الحاج قديما لتفاوت القدوم، وأما في هذه الحال في هذه الأزمنة فلعله يصح لقلة التفاوت. نعم.