إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
198378 مشاهدة
قضاء الدنانير بالدراهم

وإذا كان له على آخر دنانير فقضاه دراهم شيئا فشيئا فإن كان يعطيه كل درهم بحسابه من الدينار صح، وإن لم يفعل ذلك ثم تحاسبا بعد فصارفه بها وقت المحاسبة لم يجز؛ لأنه بيع دين بدين.


صورة ذلك؛ إذا كان عند إنسان لك مثلا خمسة جنيهات، ولم يجد الجنيهات ولكنه وجد الريالات فصار يعطيك الريالات، يعطيك ريالات كلما وجد ريالات أعطاك، أعطاك في هذا اليوم مائة، وأعطاك غدا أو بعد شهر مائتين، وهكذا إذا كان كلما أعطاك شيئا عقد أنه بجزء من الدين الذي عليه فإن ذلك جائز.
صورة ذلك؛ أن يأتيك مثلا بمائة ريال ويقول: عندي لك خمسة جنيهات والآن صرف الجنيه خمسمائة، هذه المائة عن خمس جنيه، بقي عندي أربعة جنيهات وأربعة أخماس.
ثم بعد شهر جاءك مثلا بثلاثمائة، ولما جاءك بها سألنا عن الجنيه وإذا قيمته ستمائة، فقال: هذه ثلاثمائة عن نصف جنيه، بقي عندي لك مثلا ثلاثة جنيهات ونصف وأربعة أخماس جنيه، وهكذا كلما أعطاك شيئا حسبه عن نصف جنيه أو خمس أو ربع أو نحو ذلك إلى أن يعطيك جميع صرفها، ففي هذه الحال يصح؛ وذلك لأنه يصح الصرف بنقد وذمة دليل ذلك ما في حديث عبد الله بن عمر قال: كنا نبيع الإبل بالبقيع فنبيع بالدراهم ونأخذ الدنانير ونبيع بالدنانير ونأخذ الدراهم فسألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: لا بأس ما لم تفترقا وبينكما شيء ففي هذه الحال ما دام أن الصرف بعين وذمة فإنه جائز، تعطيه كلما أعطيته من الدراهم من الريالات، وتحسبه نصف جنيه؛ صرف ثلث جنيه، صرف ربع وهكذا إلى أن تتم المحاسبة ويتم الوفاء.
أما إذا صار يعطيك دراهم ولا يعدها، بل يقول: خذ هذه مائة، خذ هذا ألف، خذ هذه مائتين خذ هذه خمسمائة، ثم اجتمع عندك له مثلا خمسة آلاف، فقال: هذه الخمسة الآلاف التي جاءتك مفرقة عن الجنيهات التي عندي؛ عندي لك عشرة جنيهات مثلا. نقول: لا يجوز؛ وذلك لأنه يعتبر بيع دين بدين، الجنيهات غائبة والدراهم غائبة، فلا بد في هذه الحال أن ترد إليه الدراهم التي أعطاك وهي خمسة آلاف ثم بعد ذلك تتصارفا في الحال بعين وذمة. نعم.

وإن قبض أحدهما من الآخر ماله عليه ثم صرفه بعين وذمة صح.


هذا يوافق ما ذكرنا؛ يقبض أحدهما من الآخر ماله عليه، بأن يقول مثلا: عندي لك خمسة جنيهات أو عشرة جنيهات وقد أعطيتك دراهم متفرقة، أعطيتك ما قيمته خمسة آلاف، فالآن عندي لك خمسة جنيهات وعندك لي خمسة آلاف فماذ نفعل؟ أحدكما يحضر الذي في ذمته ثم يتصارفا بعين وذمة.
فلو أحضر الجنيهات العشرة، وقال: الآن هذه جنيهاتك وعندك لي خمسة آلاف، كم قيمة الجنيهات هذه؟ فتقول مثلا: قيمة الجنيهات أربعة آلاف عندي لك خمسة، يبقى لك في ذمتي ألف خذها، أو مثلا قيمة الجنيهات ستة آلاف فهذه قيمة خمسة الآلاف عن خمسة أسداس الدين الذي عندك فتتصارفان بعين وذمة ويبقى الباقي.
والله أعلم وصلى الله على محمد.