إن الغذاء الطيب من مكسب حلال يكسب القلب قوة، ويكسبه صفاء وإخلاصا، ويكون سببا في قبول الأعمال وإجابة الدعوات. والغذاء الطيب يكون سببا في بركة الله ومباركته للأعمال والأعمار والأموال، وأثر ذلك واضح، فقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (كل لحم نبت على سحت فالنار أولى به) logo إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
كتاب الروض المربع الجزء الثالث
254264 مشاهدة print word pdf
line-top
وكل مالَيْنِ حَرُم النسء فيهما لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر

وكل مالَيْنِ حرم النسء فيهما لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر؛ لأن السلم من شَرْطِهِ التأجيل.


كل مالين حرم النَّسَاءُ فيهما لم يصح إسلام أحدهما في الآخر؛ لأن السلم من شرطه التأجيل وقد تقدم ذلك في باب الربا، فعندنا مثلا الدراهم والدنانير يحرم النَّساء فيهما إذا بيع أحدهما بالآخر، فيحرم النَّساء فيهما، ويسمى بيع أحدهما بالآخر صرفا، وقد تقدم أن الصرف لا بد فيه من التقابض في المجلس، فإذا صرفت مثلا ريالات بجنيهات، فلا بد من التقابض قبل التفرق، وكذلك إذا اشتريت ذهبا بريالات ورقية فلا بد من التقابض قبل التفرق؛ وذلك لأن الدراهم والدنانير يحرم النَّساء فيهما، إذا بيع أحدهما بالآخر فلا يجوز إلا يدا بيد تقول: خذ هذه الجنيهات وأعطني هذه الريالات يدا بيد في مجلس العقد، هذان يحرم النَّساء فيهما.
وقد تقدم في باب الربا أن العلة في الذهب والفضة الوزن، هذا قول، والقول الثاني: أن العلة الثمنية كونهما أثمانا، هذا قول، وإن كان العمل أو المذهب الحنبلي أن العلة هي في الذهب والفضة كونهما موزوني الجنس، وألحقوا بهما الموزونات فقالوا: كل الموزونات تلحق بهما فتكون ربوية، فألحقوا اللحوم؛ لأنها تباع وزنا فقالوا: إنها ربوية كما تقدم، وكذلك ما يوزن كالحديد والقطن والكتان والصوف والرصاص يعني الأشياء التي تباع قديما بالوزن، فإنها تكون ربوية، وأما الأشياء التي تباع بالعدد ولو أصبحت موزونة الآن يعني مثل الخضار والعنب والفواكه بأنواعها فهذه ولو كانت موزونة فإنها في الأصل معدودة فليست ربوية.
أما علة الربا في الأربعة التي في حديث عبادة البر والتمر والشعير والمِلح فهذه قد ذهب الإمام أحمد إلى أن علة الربا فيها الكيل، فألحق بهما كل مكيل، ثم قال الفقهاء: إنه لا يجوز بيع مكيل بمكيل إلا يدا بيد، فيحرم النَّساء فيهما، فإذا حرم النساء فيهما لم يجز جعل أحدهما رأس مال سَلَم؛ لأن من شرط السلم أن يكون غائبا، فلا يجوز جعل أحدهما رأس مال في الآخر، فلا تقول مثلا: أعطيك عشرة آصع من البر بعشرين أو ثلاثين صاعا من الشعير مؤجلة يعني: سلما لا يجوز؛ وذلك لأن هذا مكيل وهذا مكيل، وبيع مكيل بمكيل لا بد فيه من التقابض قبل التفرق أن يكون يدا بيد، دليل ذلك قوله في حديث عبادة إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد فجَعل هذا من بيع ما فيه علة، ما اتفقت فيه العلة الواحدة وهي الكيل، فلا يجوز مثلا أن نجعل المكيل رأس مال في سلم المكيل، فلا تقول مثلا: أعطيك عشرين صاع رز ثمنا لسبعين صاع بر عند الحصاد، أو بعد ستة أشهر سلما؛ وذلك لأن الرز مكيل والبر مكيل. العلة فيهما واحدة، ولا يجوز بيع أحدهما بالآخر إلا يدا بيد فيحرم النَّساء فيهما، فإذا حرم النَّساء فيهما، لم يجز جعل أحدهما رأس مال سلم للآخر؛ لأن من شرط السلم أن يكون المسلم فيه غائبا.
فهذان مثالان فيما لا يجوز النساء فيهما، مثال للمكيلات ومثال للموزونات، فمثال المكيلات كون المبيع برا والثمن رزا اشتريت منك خمسين صاع بر بعشرة أصواع رز الرز حاضر والبر غائب بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر لا يجوز، قد عرفنا أن الأربعة، وكل ما يلحق بها لا بد أن يكون رأس المال فيها، لا بد أن تكون يدا بيد، وألحقنا بها كل ما كان موزونا، فنقول مثلا: لو قال: أشتري منك مائة صاع زبيب تعطينيها بعد ستة أشهر بخمسمائة صاع تمر أسلمها لك الآن لم يجز؛ وذلك لأن الزبيب مكيل والتمر مكيل، وبيع المكيل بالمكيل لا بد فيه أن يكون يدا بيد العلة فيهما واحدة وهي الكيل.
وكذلك أيضا الموزونات فلا يجوز مثلا أن تقول: بعتك أو اشتريت منك مائة كيلو حديد بعشرة كيلو رصاص، الحديد مؤجل لمدة ستة أشهر والرصاص حاضر لا يجوز؛ وذلك لأن العلة فيهما واحدة وهي الوزن هذا موزون وهذا موزون، وبيع الموزون بالموزون لا بد فيه من التقابض قبل التفرق كما سبق في الربا.
فهذا معنى قوله: كل جنسين حرم النساء فيهما لم يجز جعل أحدهما رأس مال في الآخر؛ لأن من شرط السلم أن يكون المسلم فيه غائبا، فإذا كان غائبا فلا يكون البيع صحيحا؛ لأن بيع الجنسين أي: بيع ما فيهما علة واحدة لا بد فيهما من التقابض.
وهناك في الموزونات استثنوا النقود؛ حتى لا يُسد باب السلم في المكيلات، تقدم ذلك لما ذكروا لما قالوا: ويحرم ربا النسيئة في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا الفضل ليس أحدهما نقدا، لماذا استثنوا النقد؟ قالوا: لئلا ينسد باب السلم في الموزونات، لو منع لقيل: لا يجوز بيع السلم في الموزونات، والصحيح أنه يجوز، يجوز مثلا أن تشتري منه خمسمائة كيلو من اللحم بألف ريال تنقدها له مع أن الريالات موزونة واللحم موزون، والحاجة داعية إلى السلم فيه، وكذلك مثلا لو قلت: أشتري منك في ذمتك مائة كيلو رصاص بمائتي ريال أو ثلاثمائة ريال أنقدها لك الآن، والرصاص تعطينيه بعد نصف سنة هذا يجوز؛ وذلك لأن أحد رأسي.... فاستثنوا النقد لئلا ينسد باب السلم في الموزونات.

وإن قبض البعض.


اشتريت منك في ذمتك خمسمائة صاع بألف ريال، الأصل أن تعطينيها بعد ستة أشهر، والألف ريال أعطيكها الآن، ثم إنه التمس ولم يجد إلا نصف القيمة، فسلمه نصف القيمة، ثم تفرقا قبل الباقي، صح العقد في ثمن النصف، وبطل في غيره، في النصف الباقي، فلو جاءه بالثمن بعد يومين أو بعد ثلاثة أيام وقال: هذا بقية الثمن الذي اتفقنا عليه قبل يومين، اتفقنا على أن أسلمك خمسمائة بألف، أعطيتك مثلا نصفها وبقي نصفها وهاهي الآن معي، نقول: يجددان العقد، ولا يكفي عقدهما الأول، يجددان العقد في النصف الباقي من الثمن، ولأحدهما أن يمتنع، فلو مثلا أنه رخص السعر، سعر البر، فللمشتري أن يفسخ العقد في النصف الذي ما سلمه، ويقول: تبين أني مغبون، اشتريت منك الصاع بريالين غائبا، والناس يشترونه بريال ونصف، فيكفيني ما أخذته، والعقد في البيع في النصف الباقي لا يلزمني. وكذلك لو كان العكس: لو ارتفع السعر، بدل ما كانت خمسمائة كيلو أو صاع قيمتها ألف، ودفع نصفها أصبحت قيمتها ألفان، ففي هذه الحال له أن يرجع؛ وذلك لأنه مغبون، فيقول: الذي قبضناه تم العقد فيه، والنصف الباقي بعد ارتفاع السعر أو بعد انخفاضه لا يلزمنا، إن أردنا ذلك جددنا العقد، وإن لم نرد ذلك فلا يلزمنا.

line-bottom